مجلس الجالية المغربية بالخارج هيأة لها تمثيلية شمولية عقلانية ومتدرجة
أسفر النقاش المثمر الذي انطلق قبل ثلاث سنوات، بمبادرة من جلالة الملك محمد السادس، حول آليات تمثيل الجالية المغربية المقيمة بالخارج، عن صيغة مرحلية قائمة على إحداث مجلس لدى جلالة الملك لمدة أربع سنوات، سيعهد إليه بإعداد المراحل المقبلة وتحديد المقاربة الشمولية والعقلانية والمتدرجة الواجب اعتمادها مستقبلا من أجل تدبير براغماتي وديمقراطي لملف الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
وقد انطلق مسلسل التفكير هذا في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى ال30 للمسيرة الخضراء سنة2005 ، اعتبارا لما أبانت عنه الجالية المغربية بالخارج، (التي يفوق عددها أربعة ملايين شخص منتشرين بقارات العالم الخمس)، من دينامية وحيوية استثنائية، أملت إعادة تنظيمها وإشراكها في جهود تنمية البلاد.
وقد أعلن جلالة الملك حينها عن قراره بإحداث مجلس للجالية المغربية بالخارج، "يتم تشكيله، بكيفية ديمقراطية وشفافة، تكفل له كل ضمانات المصداقية، والنجاعة والتمثيلية الحقة".
وليس من باب الصدفة أن يتناول جلالة الملك هذا الملف في خطب جلالته بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء لثلاث سنوات متعاقبة، ذلك أن قضية الصحراء ، القضية الوطنية الأولى ، تكتسي حساسية بالغة بالنسبة لجميع المغاربة حيثما وجدوا، كما أن المغرب منخرط منذ سنوات في مسيرة كبرى تستهدف تحقيق التنمية وتكريس الدمقرطة، ومن ثم يتعين اليوم إشراك المغاربة المقيمين بالخارج في هذا المجهود الهائل، الذي يلمسون بكل بفخر واعتزار أبعاده ونتائجه المتحققة على أرض الواقع، كلما سنحت لهم الفرصة لزيارة وطنهم.
وكان جلالة الملك قد أكد في خطابه السامي بمناسبة الذكرى ال32 للمسيرة الخضراء (6 نونبر2007 ) أن "المسار الديمقراطي التنموي، الذي نقوده، يتطلب انخراط كل المغاربة، حيثما كانوا، بنفس روح التشبث بالهوية الوطنية والمواطنة الملتزمة"، مبرزا جلالته الدور الذي يجب أن يضطلع به مجموع المغاربة أينما كانوا في جهود التنمية التي انخرط فيها المغرب.
وأضاف جلالته "إن وقوفنا الميداني، وعملنا الدؤوب على توفير العيش الكريم لرعايانا الأوفياء داخل الوطن، لا يعادله إلا عنايتنا الفائقة بشؤون مواطنينا الأعزاء المقيمين في الخارج"، مجددا بذلك التأكيد على الرعاية السامية التي يحيط بها جلالته رعاياه الأوفياء المقيمين بالخارج، في مساواة تامة مع مواطنيهم الذين يعيشون بالمغرب.
وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد أدرج المقاربة الجديدة لتدبير ملف الجالية المغربية المقيمة بالخارج "ضمن مقاربة شمولية ومتدرجة، هادفة لضمان مشاركتهم الديمقراطية الكاملة في كل مناحي الحياة الوطنية والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم في بلاد المهجر"، مجددا حرص جلالته على "الاستجابة لمطامحهم المشروعة في تعزيز روابطهم بوطنهم الأم، لاسيما منها العائلية والروحية والثقافية".
إن المغاربة المقيمين بالخارج يجددون في كل المناسبات ولاءهم الخالص لعاهلهم وارتباطهم الذي لا تنفصم عراه بوطنهم واستعدادهم الدفاع عن قضاياه، فضلا عن تشبثهم بقيمهم وتقاليدهم العريقة وثقافتهم وهويتهم، وهو ما يتجسد بالملموس وبشكل قوي خلال العطل الصيفية التي يعود فيها مئات الآلاف (5 ر1 مليون) إلى المغرب مفعمين بالحماس، للقاء أهلهم وذويهم.
كما أن ديناميتهم وحيوتهم ظاهرة للعيان من خلال مشاركتهم وانخراطهم، ببلدان الاستقبال، في الحياة الجمعوية والمحلية، والمنتديات السياسية والعلمية، ففيهم الوزراء والنواب والمنتخبون المحليون والعلماء البارزون والخبراء والمحامون والأطباء.
لقد أضحوا، بفضل جهودهم، يتمتعون بسمعة طيبة نظير اعتدالهم وانفتاحهم على محيطهم، وكلها مؤهلات يرغب المغرب في توظيفها خدمة لتنمية المملكة، وتوجيه مؤهلات وطاقات المغاربة المقيمين بالخارج لصالح المغرب ونمائه.
وكان جلالة الملك قد كلف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أن يرفع لجلالته رأيا استشاريا بخصوص الصيغة المناسبة في المرحلة الراهنة، بعد "استشارات موسعة"، في انتظار وضع آليات لضمان "تمثيلية حقة"، تجسد بشكل كبير قناعة ملكية راسخة.
هكذا قرر جلالته اعتماد صيغة مرحلية تقوم على انتداب هذه المؤسسة في تشكيلتها الأولى التأسيسية، لمدة أربع سنوات، ستكون خلالها مدعوة إلى "أن تجعل في صدارة أعمالها إغناء التفكير ووضع الأسس الصلبة لبلوغ الهدف الأسمى للانتخاب الواعي والمسؤول، وتوفير شروط المشاركة الواسعة فيه".
كما قرر جلالة الملك تكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ، تقديرا لنزاهته ووجاهة آرائه ، بأن يرفع لجلالته مقترحات موضوعية بشأن الشخصيات والجمعيات المؤهلة لعضوية هذه المؤسسة، في التزام بترشيح المشهود لهم بالعطاء في مجال الهجرة وتشبثهم بالدفاع عن القضايا التي تهم الجالية المغربية بالخارج.
وأضاف جلالة الملك "وقد ارتأينا، ضمانا للنجاعة والتفاعل، أن تضم تركيبة هذه الهيأة، أعضاء مختارين، بكامل الشفافية والتمثيلية، يتمتعون بصلاحيات تداولية، علاوة على العضوية الاستشارية للسلطات الحكومية والمؤسسات المعنية بقضايا الهجرة"، مؤكدا أن تركيبة هذه الهيأة يجب أن تكون "متوازنة ومنسجمة، تراعي التمثيل المناسب بين النساء والرجال، والجغرافي، وطنيا وجهويا وقاريا. وكذا بين الأجيال الثلاثة بمن فيهم رعايانا الأوفياء من الطائفة اليهودية المغربية".
هذا ، وستخول لهذه المؤسسة "اختصاصات واسعة، تجعل منها قوة اقتراحية، تعنى بكل القضايا والسياسات العمومية التي تهم المغاربة المقيمين بالخارج، ولاسيما منها الدينية والثقافية والمسائل ذات الصلة بالهوية".
كما سيعهد إليها "الدفاع عن حقوقهم وتعزيز إسهامهم الوازن في تنمية قراهم ومدنهم الأصلية ووطنهم الأم وتوسيع إشعاعه الدولي، وكذا في تمتين روابط وطنهم الأصلي المغرب ببلدان الإقامة".